من متجرِ تطريزٍ صغير إلى عرض أزياء عالمي

من متجرِ تطريزٍ صغير إلى عرض أزياء عالمي

القدس المحتلة- القطسل: "كان التطريز هواية جميلة أشعر بالسعادة حين أمارسها، ومنذُ أن كنت طفلة في المدرسة علمتني أمي كيف أطرز، وبتُ أخيط القماشة واحدة تلوَ الأخرى وأحتفظ بها، ثُمَّ لم أعلم يوماً أنني سأصل لعرض ما قمتُ بصنعه على مدار سنوات في معارضَ دولية".

ابتسامة فخرٍ علت شفتيّ السيدة رحاب دقاوية حين أخبرتني بقصتها، فهي ذات أصول لاجئة من قرية سلبيت جنوب شرق مدينة الرملة، وتسكن بلدة بيت إجزا شمال غرب القدس، مارست هوايتها في التطريز كباقي أقرانها من الفتيات، وبعد أن اشتدَّ عودها دخلت كشريكة في محلٍّ للأشغال اليدوية لمدة سبعِ سنوات، طلب خلالها الزبائن أن تصنع لهم قطع تطريزٍ معينة، واستطاعت أن تنال استحسانهم، بعد ذلك، بدأت رحاب تجمع ما تصنع حتى غدا لديها كمية كبيرة من المطرزات، مكنتها من المشاركة بدعوة رسمية في أول معرضِ للتطريز في مدينة البيرة، وفي المعرض سألها الناس عن موقعٍ يستطيعون أن يشتروا فيه المطرزات منها، ومن هنا كانت البداية.

تقول السيدة رحاب لـ القسطل:"ما جعل مطرزاتي مختلفة هو تجديدي للتطريز القديم بأسلوبٍ عصري وحديث، كنتُ أجمع الأثواب القديمة، وأعيد تطريزها على قماشٍ جديد بأسلوبٍ عصري ومميز، وهكذا تطور عملي شيئاً فشيئاً، وفي أحد المرات زارتني مديرة منتدى سيدات الأعمال السيدة دعاء وادي، وأُعجبت جداً بأعمالي، ودعتني للانضمام لمنتدى سيدات الأعمال، لبيتُ دعوتها وخضعت لتدريباتٍ عديدة، كا أهمها تدريب على تصميم الأزياء في لندن، على إثر هذا التدريب تم ترشيحي لتمثيل فلسطين في معرضٍ دولي في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة، حيث عرضتُ المطرزات في عرضِ أزياء كبير في مقر الأمم المتحدة، بعد ذلك أقمنا عرض أزياءٍ آخر للثوب الفلسطيني، في مجلس الشيوخ بالمكسيك، دُعيت على إثره إلى منزل السفير الأردني في المكسيك لإقامة عرض أزياءٍ آخر يمثل فلسطين في ساحة منزله".

عندما نجحت السيدة رحاب في تأسيس مشروعها ورأته ينمو أمام ناظريها، صار لزاماً عليها أن توظف فتياتٍ أخريات يساعدنها في تفصيل الأثواب المطرزة وخياطتها، لذلك عملت السيدة دقاوية على توظيف 150 فتاة من المحافظات المختلفة في فلسطين، وفي هذا تقول:" حتى وإن لم يكن هناك طلب كبير على المطرزات في بعض الأحيان فإني أعمل على تزويد الموظفات بعملٍ مستمر لأجل هدفين، الأول مساعدتهن في الحصول على دخل مادي لأنفسهن، وأيضاً كي تكون القطعُ الأكثر طلباً متوفرة في حال طلبها من الزبون على الفور".

لم تكن حرفة التطريز مجرد هواية تمارسها السيدة دقاوية، فقد أخبرتني أن تفاصيل وأشكال التطريز الذي تقوم به، يجعلها تحب الوطن وتتعلق به أكثر، فقد أخذت الزخرفات المطرزة ألواناً وأشكالاً من الطبيعة الفلسطينية، وكل رسمةٍ فيه لها حكاية قديمة، تقول السيدة رحاب:" قبل أن يكون التطريز مهنة وهواية أعتاش منها هو تقليدٌ متوارث منذ آلاف السنين ورثناه عن آباءنا الكنعانيين، وكلّ رسمة أطرزها على الثوب هي بمثابة هوية وإثباتٌ لوجودنا على الأرض منذ آلاف السنين، واللافت أن لون وشكل التطريز على الأثواب يختلف من مدينة فلسطينية لأخرى، بحسب الطبيعة الموجودة فيها، ومثال ذلك أن يافا اشتهرت طبيعتها بزراعة البرتقال، فطرزت السيدات على أثوابهن زهر البرتقال وشجره، أما ثوب القدس فامتاز هذا بوجود أثر ورمز لكل العصور والحضارات التي مرت عليها، فعلى الصدر توجد ملكات الكنعانيين، وعلى الجوانب تظهر طريقة التصليب منذ أيام الحكم الصليبي".

وتتابع:" اشتهرت منطقة الخليل بزخرفة خيمة الباشا وغلبت الرسومات الهندسية على مطرزات شمال فلسطين والجليل الأعلى وصفد، والنجمة الكنعانية في زي بيت لحم، لكن أصبحت هذه الزخارف جميعها تجتمع وتتنقل من ثوب إلى آخر بغض النظر عن المنطقة الجغرافية كنوع من التأكيد على وحدة الأراضي الفلسطينية التي قسمتها حواجز وجدران الاحتلال الإسرائيلي".

قطعت السيدة رحاب مشواراً طويلاً في السعي نحو تحقيق حلمها بإيصال أزيائها المطرزة نحو العالمية، لكنها أخبرتني:" أحلم أن يصل عملي لكل دولة في العالم، وأتمنى أن أتمكن من إيصال الثوب الفلسطيني المطرز لكل الحضارات، فهو الدليل على ارتباطنا بالأرض منذ 3 آلاف عام".

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر:

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *