ولاء معوض أمٌ لأربعة أطفال.. حاول الاحتلال إقناعَها بالاعتراف بما لم تقم به
القدس المحتلة - القسطل: “في انتظاري للمحكمة، أُصبت بانهيار شديد، قلتُ لنفسي لن أخرج من هنا، لن أرى أولادي، يا إلهي ما الذي يحصل؟ هل سأواجه حكمًا بالسجن لعشر سنوات أو لـ15 سنة كما يقولون؟!”.
هذه الكلمات التي كانت تراود المقدسية ولاء معوض (36 عامًا) التي اعتقلها الاحتلال من مدخل حي الشيخ جراح، بعدما حاول تلفيق تُهمة “محاولة تنفيذ عملية دهس” لعناصر الاحتلال في المكان، لكنها صمدت في وجه التحقيق وظروف الاعتقال رغم أنها المرّة الأولى التي تتعرّض فيها لمثل هذا الوضع.
“خرجتُ من منزلي في كفرعقب (شمال القدس) باتجاه مدرسة ابني الصغير للحصول على شهادته وذلك صباح اليوم الـ15 من حزيران، وصلتُ المدرسة، أخذت الشهادة ثم خرجتُ باتجاه مدينة القدس”، تروي ولاء معوّض حكايتها منذ البداية.
وتضيف لـ”القسطل” إنها عادة ما تسلك الطريق المجاورة تمامًا لمدخل “كرم الجاعوني” في حي الشيخ جراح، هكذا تعوّدت، لكنها بالخطأ سكلت طريق مدخل الحي.
وتقول: “غلطتْ بالطريق، ولما شفت الشرطة واقفين على مدخل الحي، بدل ما أدعس بريك دعست على البنزين”.
خوفٌ وارتباك وصدمة مما حصل، لكنها تداركت الموقف سريعًا وأوقفت المركبة بعدما أصبحت داخل الحي. عنصران شُرطيّان أصبحا عندها تمامًا، أحدهما صوّب سلاحه تجاهها.
تلفيق التُّهمة بأية وسيلة..
رغم ارتباكها وخوفها، هجما عليها، وبدأ التحقيق الميداني معها رغم أن ما حصل واضح تمامًا.
الشرطي: ماذا تفعلين هنا؟
ولاء: غلطت بالطريق
الشرطي: أغلقي المركبة وأعطني المفتاح، سنفتّشها الآن، هل معك سكين؟
ولاء: لا ما معي اشي .. بحكيلك أنا غلطت في الطريق
على الكرسي المجاور لها، صورة ابنها أنس (5 سنوات) وشهادته، سألها عنها فأجابته.
الشرطي: انت جاي تعملي عملية وتدهسي الشرطة..
ولاء لم تتمالك نفسها، بدأت في البكاء، وقالت لـ”القسطل” إنهما كانا يحاولان تلفيق تهمة لها. كان الوضع هادئ جدًا، ولم يتواجد أحد في هذه الفترة في حي الشيخ جراح، وتمنّت لو أن أحدًا كان هناك ليصوّرها ويُطمئن ذويها لأنها شعرت أنها حقًا في مأزق.
اقتيادها لمركز التحقيق..
اقتادتها عناصر الاحتلال إلى مركز شرطة الاحتلال في شارع صلاح الدين، وتمت مصادرة المركبة، ولم يُسمح لها بأخذ حقيبتها وأموالها وأغراضها الشخصية التي كانت داخل السيارة.
“وصلنا المركز، وإذ بعناصر الاحتلال يُخبرون الضبّاط في الداخل أنني حاولت تنفيذ عملية دهس، وقالوا أيضًا إنه خلال عملية تفتيش مركبتي وجدوا مصحفًا ومسبحة، والقرآن كان يعلو في السيارة”، تقول معوّض.
وتضيف: “أنا حرّة، وهذه سيارتي، هل سيتحكّمون بما أضعه داخلها!”.
أحد ضباط الاحتلال قال لها بعدما دخلت المركز: “انتِ معترفة انك كنت ناوية تعملي عملية دهس”، لكنها أنكرت هذا كله، وأكّدت أن ما حصل معها عبارة عن خطأ في الطريق وردّة فعل عكسية بدلًا من أن توقف المركبة، ضغطت على “البنزين”.
مكثت ولاء ما يزيد عن الثلاث ساعات في مركز شارع صلاح الدين، وليتم التحقيق معها بشكل رسمي، اقتادوها إلى مركز شرطة الاحتلال في “أبو غنيم” جنوبي المدينة المحتلة.
تحقيقٌ وصراخ ..
عند الساعة الرابعة عصرًا تقريبًا، بدأ التحقيق مع ولاء بعد سلسلة من الإجراءات. وُضعت على كرسي، وسُئلت عن اسمها وبعض المعلومات الشخصية عنها، وعمّا إذا كانت تُعاني من مشاكل في حياتها.
تعرّضتْ خلال التحقيق للاستفزاز اللفظي والكلام الهجومي من المحققين الذين حاولوا بكل الطرق الضغط عليها للاعتراف بأمر لم ترتكبه أصلًا، واستجوابها حول انتمائها السياسي والفصيل الذي تتبعه، وولاء لم تفكر سوى في أطفالها الأربعة الذين لا يعرفون عنها شيئًا، وينتظرون عودتها والاطمئنان عليها.
أُصيبتْ بدوخة فهي لم تأكل شيئًا منذ ساعات طويلة، فطلبت بعض الطعام لكن عناصر الاحتلال استهزأوا بها وقالوا: “ما معنا مفتاح الثلاجة”، بحسب ما قالت لـ”القسطل”.
فتحوا صفحتها على “فيسبوك” فاستُفزّ المحقق حينما رأى اسمها مطرّز بخريطة فلسطين ضمن تصميم متداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واستُفزّ بشكل أكبر وبدأ بالصراخ عليها وشتمها بألفاظ نابية وقذرة حينما سألها خريطة من هذه؟ لتُجيبه “فلسطين” دون أي تردد.
“لهول ما قاله، ومن كثرة ما سبّ وشتم أغلقت أذناي كي لا أسمع أكثر..” تبيّن ولاء. هذا التحقيق استمر ما يقارب الست ساعات، ثم نُقلت بعدها إلى أحد المعتقلات.
ظروف اعتقال سيئة ..
تُشير ولاء إلى “البوسطة” التي بات الأسرى والمحررون يحفظونها تمامًا “لأوّل مرّة في حياتي، أواجه هذه الظروف، وأركب في البوسطة التي تعتبر أشبه بـ”مقبرة الأحياء”، ستختنق وتموت فيها ولا أحد يدري عنك، كرسي صغير، ومكان ضيق، ومعاملة سيئة لكأنك مُجرم”.
وتُلفت إلى أنهم نقلوها إلى سجن “هداريم”، رغم عدم وجود أي أسيرة غيرها، ولم يتواجد سوى أسرى لا تعرف هل هم أمنيون أم جنائيون، فاحتُجزت في زنزانة انفرادية حتى موعد المحكمة في اليوم التالي.
وتبين أن السجّان “الإسرائيلي” أبلغها بأن عليها أن تكون الساعة الثانية والنصف فجرًا جاهزة للخروج للمحكمة. ركبت البوسطة مجددًا وتنقّلت بين السجون كي يتم اقتياد أسرى آخرين من المعتقلات. وصلت محكمة “الصلح” في القدس حيث طلبت نيابة الاحتلال تمديد اعتقالها لمدة أسبوع على ذمة التحقيقات، لكن محاميها محمد محمود قدّم استئنافًا للإفراج عنها، مع ذلك أعادوها عبر “البوسطة” إلى “هداريم”.
تصف ولاء البوسطة مجددًا وتقول: “البوسطة وحدها حكاية عذاب، وهي أصعب ما حصل معي، كرسي واحد وظلام، كله كوم والبوسطة كوم ثاني”.
أما عن الزنزانة فهي لا ترقى للعيش الآدمي، لم يتم تقديم الطعام لها أيضًا، ولم تعد تقوى على ما يحصل معها، كانت تفكّر في عائلتها وزوجها وأطفالها الأربعة أكبرهم علي 15 عامًا، وآدم 13 عامًا، وأمير 12 عامًا، وأصغرهم أنس 5 سنوات. تفكّر وتقول في نفسها “هل أعود لهم أم سيحصل بي كما حصل مع الأسيرات في السجون وأُظلم وأنا لم أفعل شيئًا؟!”.
جاء الخميس، ولا يوجد أي دليل يُثبت أن ولاء كانت لديها النية لتنفيذ أي عملية، وادّعاءات نيابة الاحتلال كلّها باطلة، وأقوالهم غير متطابقة بحسب القاضية، وعليه أقرّت المحكمة بالإفراج عنها. ورغم ذلك أيضًا، كان لا بدّ من تعذيبها نفسيًا، ولم يفرجوا عنها على الفور، انهارت ووقعت على الأرض وبكت بحرقة وبدأت بالدعاء، وقالت: “لن أرى أبنائي مجددًا، أيعقل أن أواجه حكمًا بالسجن لعشرة أعوام أو 15 عامًا؟!”، فأعادوها إلى “هداريم”.
الإفراج ..
بذل المحامي المقدسي محمد محمود مجهودًا في محاولة دحض ادّعاءات عناصر الاحتلال خلال الحدث، وعدم وجود أي أدلّة ضدّها، وأن ما حصل عبارة عن حادث قد يتعرّض له أي شخص. وبالفعل استطاع ذلك وتمكن من الحصول على قرار بالإفراج عنها.
مساء الخميس، ما إن وصلتْ البوسطة إلى “هداريم” تقلّ ولاء داخلها، حتى أُبلغت بقرار الإفراج عنها، ثم اقتيدت إلى القدس حيث نالت حريّتها بعد أيام لم تكن قليلة بالنسبة لها، بل كانت أشبه بسنوات ثقال، كاد ما حصل معها يحرمها من زوجها وأبنائها، ويوديها إلى مستنقع وحل لن تخرج منه أبدًا.